فصل: فَصْلٌ: عَمَلُ سَلَامِ السَّهْوِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَحَلِّ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ فَمَحَلُّهُ الْمَسْنُونُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا، سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِإِدْخَالِ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نُقْصَانٍ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ.
(احْتَجَّ) الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّشَهُّدِ كَمَا حَمَلْتُمْ السَّلَامَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَفِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَسَلِّمْ أَيْ فَتَشَهَّدْ، وَيُرَجَّحُ مَا رَوَيْنَا بِمُعَاضَدَةِ الْمَعْنَى إيَّاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّجْدَةَ إنَّمَا يُؤْتَى بِهَا جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْجَابِرُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِ النَّقْصِ لَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَالْإِتْيَانُ بِالسَّجْدَةِ بَعْدَ السَّلَامِ تَحْصِيلُ الْجَابِرِ لَا فِي مَحَلِّ النُّقْصَانِ، وَالْإِتْيَانُ بِهَا قَبْلَ السَّلَامِ تَحْصِيلُ الْجَابِرِ فِي مَحَلِّ النُّقْصَانِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ جَبْرَ النُّقْصَانِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَ قِيَامِ الْأَصْلِ، وَبِالسَّلَامِ الْقَاطِعِ لِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةَ يَفُوتُ الْأَصْلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بِالسُّجُودِ بَعْدَهُ.
(وَاحْتَجَّ) مَالِكٌ بِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مَثْنَى مِنْ صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَهْوًا فِي نُقْصَانٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ سَهْوًا فِي الزِّيَادَةِ؛ وَلِأَنَّ السَّهْوَ إذَا كَانَ نُقْصَانًا فَالْحَاجَةُ إلَى الْجَابِرِ، فَيُؤْتَى بِهِ فِي مَحِلِّ النُّقْصَانِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ زِيَادَةً فَتَحْصِيلُ السَّجْدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ يُوجِبُ زِيَادَةً أُخْرَى فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُوجِبُ رَفْعَ شَيْءٍ، فَيُؤَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ.
وَلَنَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إلَى الصَّوَابِ، وَلْيَبْنِ عَلَيْهِ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ»؛ وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ أُخِّرَ عَنْ مَحَلِّ النُّقْصَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِمَعْنًى، ذَلِكَ الْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ عَنْ السَّلَامِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ هُنَاكَ ثُمَّ سَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً يَحْتَاجُ إلَى أَدَائِهِ فِي كُلِّ مَحِلٍّ، وَتَكْرَارُ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَأُخِّرَ إلَى وَقْتِ السَّلَامِ احْتِرَازًا عَنْ التَّكْرَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ أَيْضًا عَنْ السَّلَامِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ سَهَا عَنْ السَّهْوِ لَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ؛ وَلِأَنَّ إدْخَالَ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهَا، فَلَوْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ الْجَابِرُ لِلنُّقْصَانِ مُوجِبًا زِيَادَةَ نَقْصٍ وَذَا غَيْرُ صَوَابٍ.
(وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِمْ بِالْأَحَادِيثِ فَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الْفِعْلِ مُتَعَارِضَةٌ فَبَقِيَ لَنَا رِوَايَةُ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ، أَوْ تَرَجَّحَ مَا ذَكَرْنَا لِمُعَاضَدَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى إيَّاهُ، أَوْ يُوَفَّقُ فَيُحْمَلُ مَا رَوَيْنَا عَلَى أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ وَلَا مَحْمَلَ لَهُ سَوَاءٌ فَكَانَ مُحْكَمًا، وَمَا رَوَاهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ الثَّانِي، فَكَانَ مُتَشَابِهًا فَيُصْرَفُ إلَى مُوَافَقَةِ الْمُحْكَمِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ الْأَخِيرِ لَا قَبْلَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ رَدًّا لِلْمُحْتَمَلِ إلَى الْمُحْكَمِ وَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ نَقَصَ أَوْ زَادَ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ نُقْصَانًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَهَا مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالزِّيَادَةِ وَالْأُخْرَى بِالنُّقْصَانِ مَاذَا يَفْعَلُ؟ وَتَكْرَارُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَلْزَمَ مَالِكًا بَيْنَ يَدَيْ الْخَلِيفَةِ بِهَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ زَادَ وَنَقَصَ كَيْف يَصْنَعُ؟ فَتَحَيَّرَ مَالِكٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ أَحَدِ مَعْنَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجَابِرَ يَحْصُلُ فِي مَحَلِّ الْجَبْرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهِ فِي مَحَلِّ الْجَبْرِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يُؤَخَّرُ عَنْهُ لِمَعْنًى يُوجِبُ التَّأْخِيرَ عَنْ السَّلَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْجَبْرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا حَالَ قِيَامِ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَنَعَمْ، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ قَاطِعٌ لِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي ذَلِكَ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْجَبْرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَقْطَعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ أَوْ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَعُودُ بِالْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْجَبْرِ، وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ مَحَلَّهُ الْمَسْنُونَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الثَّانِي يُسَلِّمُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَعُودُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ وَهُوَ سُجُودُ السَّهْوِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرَاغُ، فَلِذَلِكَ كَانَ التَّأْخِيرُ إلَى التَّشَهُّدِ الثَّانِي أَحَقَّ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْتِيَ بِدَعَوَاتٍ تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ لِئَلَّا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانَ مَحَلِّهِ الْمَسْنُونِ.
وَأَمَّا مَحِلُّ جَوَازِهِ فَنَقُولُ: جَوَازُ السُّجُودِ لَا يَخْتَصُّ بِمَا بَعْدَ السَّلَامِ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ يَجُوزُ وَلَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ سُنَّتَهُ وَهُوَ الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ بَعْدَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ كَانَ تَكْرَارًا، وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: قَدْرُ سَلَامِ السَّهْوِ وَصِفَتُهُ:

وَأَمَّا قَدْرُ سَلَامِ السَّهْوِ وَصِفَتُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيِّ وَقَالَ: لَوْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ، وَمَعْنَى التَّحِيَّةِ سَاقِطٌ عَنْ سَلَامِ السَّهْوِ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ عَبَثًا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ، فَكَانَ قَاطِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» ذَكَرَ السَّلَامَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَبْسِ أَوْ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُمَا التَّسْلِيمَتَانِ.

.فَصْلٌ: عَمَلُ سَلَامِ السَّهْوِ:

وَأَمَّا عَمَلُ سَلَامِ السَّهْوِ أَنَّهُ هَلْ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ أَمْ لَا؟ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ: إنْ عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَصَحَّ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَطَعَ، حَتَّى لَوْ ضَحِكَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تُنْتَقَضُ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: لَا تَوَقُّفَ فِي انْقِطَاعِ التَّحْرِيمَةِ بِسَلَامِ السَّهْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَلْ تَنْقَطِعُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عِنْدَهُمَا فِي عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ ثَانِيًا، إنْ عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ تَعُدْ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ التَّوَقُّفُ فِي بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَبُطْلَانُهَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَحْرِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ عَمَلَ سَلَامِ مَنْ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؛ لِأَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِّعَتَا لِجُبْرَانِ النُّقْصَانِ، وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ إنْ حَصَلَتَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَسْقُطَانِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ مَا يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ، وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُمَا فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ بُطْلَانِ عَمَلِ هَذَا السَّلَامِ، فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلَوْ انْعَدَمَ حَقِيقَةً كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةً، فَكَذَا إذَا الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّلَامَ جُعِلَ مُحَلَّلًا فِي الشَّرْعِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَتَحْلِيلُهَا، التَّسْلِيمُ، وَالتَّحْلِيلُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ عَمَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحَاجَةِ الْمُصَلِّي إلَى جَبْرِ النُّقْصَانِ، وَلَا يَنْجَبِرُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجَابِرِ فِي التَّحْرِيمَةِ لِيَلْتَحِقَ الْجَابِرُ بِسَبَبِ بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ لِمَحَلِّ النُّقْصَانِ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ، فَنَفَيْنَا التَّحْرِيمَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي لَهَا لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَصَحَّ اشْتِغَالُهُ بِهِمَا تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فَبَقِيَتْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ لَمْ تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ فَيَعْمَلُ السَّلَامُ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِبْطَالُ التَّحْرِيمَةِ عَمَلَهُ.
وَيُبْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: إذَا قَهْقَهَ قَبْلَ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَهْقَهَةِ: أَنَّهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لَا تُوجِبُ انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ، كَمَا إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ.
وَالثَّانِيَةُ إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ- فَاقْتِدَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَقَالَ بِشْرٌ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عَادَ أَوْ لَمْ يُعِدْ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السَّلَامَ قَاطِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ جَزْمًا.
وَالثَّالِثَةُ: الْمُسَافِرُ إذَا سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ- لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيَسْقُطُ عَنْهُ السَّهْوُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لَكِنَّهُ يُؤَخِّرُهُمَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ- رَجُلٌ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، إلَّا عِنْدَ بِشْرٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيُؤَخِّرُ سُجُودَ السَّهْوِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ سِيَّمَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ، أَوْ سَاهٍ عَنْهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ أَوْ لَا يَسْجُدَ حَتَّى لَا يَسْقُطَ عَنْهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا إذَا فَعَلَ فِعْلًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهُ وَهُوَ تَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ، فَيَسْقُطُ ضَرُورَةَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَكَذَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ احْمَرَّتْ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ سَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جَبْرٌ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فَيَجْرِي مَجْرَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا يُقْضَى النَّاقِصَ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَسُجُودُ السَّهْوِ، يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْمُنْفَرِدِ مَقْصُودًا لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْهُمَا وَهُوَ السَّهْوُ، فَأَمَّا الْمُقْتَدِي إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ مِمَّنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، فَكَانَ سَهْوُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى السُّجُودِ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ لِتَعَذُّرِ السُّجُودِ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ السُّجُودُ عَنْهُ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ وَهُوَ الْمُدْرِكُ لِأَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا فَاتَهُ بَعْضُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ السَّابِقِ، بِأَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْتَبَهَ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أَوْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ فَرَغَ عَنْهَا- فَاشْتَغَلَ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ فَسَهَا فِيهِ- لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ؟.
وَأَمَّا الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ قَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَسَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ؟ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: إنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِذَا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُؤَدِّيهِ بِتِلْكَ التَّحْرِيمَةِ كَاللَّاحِقِ، وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ كَاللَّاحِقِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَا اقْتَدَى بِإِمَامِهِ إلَّا بِقَدْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا انْقَضَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَارَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يُتِمُّ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا فَكَانَتْ قِرَاءَةً لَهُ، وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ السُّجُودَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعْ إمَامَكَ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدْتَهُ» وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ، وَالْحُكْمُ فِي التَّبَعِ ثَبَتَ بِوُجُودِ السَّبَبِ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ سَبَبًا لِوُجُوبِ السَّهْوِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُقْتَدِي، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي، وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ إذَا سَهَا فِي حَالِ نَوْمِ اللَّاحِقِ، أَوْ ذَهَابِهِ إلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ، وَلَكِنْ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إذَا انْتَبَهَ فِي حَالِ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِسُجُودِ السَّهْوِ، أَوْ جَاءَ إلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَلْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ أَوْ الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَيْثُ تَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْإِتْمَامِ.
(وَالْفَرْقُ) أَنَّ اللَّاحِقَ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا اقْتَدَى بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا فَصَّلَ الْإِمَامُ، وَأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا يُؤَدِّي الْإِمَامُ، وَالْإِمَامُ أَدَّى الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَكَذَا هُوَ، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ مُتَابَعَتَهُ بِقَدْرِ مَا هُوَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدْرَكَ هَذَا الْقَدْرَ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ، وَكَذَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ.
وَلَوْ سَجَدَ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ- حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ وَمَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ هُنَاكَ لَيْسَ لِزِيَادَةِ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ مَا يُؤَدِّي، فَلِهَذَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَهْوُهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ وَقَدْ سَهَا الْإِمَامُ فِيهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُتَابَعَةُ فِي السَّهْوِ.
(وَلَنَا) أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً، وَإِذَا بَقِيَتْ الصَّلَاةُ بَقِيَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيُتَابِعُهُ فِيمَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَفْعَالِ، بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ، وَالتَّلْبِيَةِ حَتَّى لَا يُلَبِّيَ الْمَسْبُوقُ، وَلَا يُكَبِّرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَالتَّلْبِيَةَ لَا يُؤَدَّيَانِ فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ.
وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ؟ بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ، وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
(فَإِنْ) قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْهُو فِيمَا يَقْضِي فَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ، وَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ يَقَعُ سُجُودُهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَذَا غَيْرُ صَوَابٍ- (فَالْجَوَابُ) أَنَّ التَّكْرَارَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ، وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فَسَهَا الْإِمَامُ يُتَابِعُهُ الْمُقِيمُ فِي السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي رُبَّمَا يَسْهُو فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا فِي ذَلِكَ كَانَا صَلَاتَيْنِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً كَذَا هَاهُنَا، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي السَّهْوِ دُونَ السَّلَامِ، بَلْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ فَيَسْجُدَ فَيُتَابِعُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا فِي سَلَامِهِ.
وَإِنْ سَلَّمَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَا تَفْسُدُ، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ، وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي بَاطِلٌ، فَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي السُّجُودِ وَيُتَابِعُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا يُسَلِّمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهُ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَجْلِ سَلَامِهِ؟ يَنْظُرُ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَوْ سَلَّمَا مَعًا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُقْتَدِي، وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي مُتَعَطِّلٌ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُنْفَرِدِ فَيَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ.
وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَابَعَهُ فِيهِمَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْبُوقِينَ، إذْ لَمْ يُدْرِكُوا مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ اللَّاحِقِينَ لِإِدْرَاكِهِمْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَلَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي السَّهْوِ- سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْقُطَ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يُقْضَى، وَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ غَيْرُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فَصَارَ كَمَنْ لَزِمَتْهُ السَّجْدَةُ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا وَدَخَلَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، لَا يَسْجُدُ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ يَسْقُطُ كَذَا هَذَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّحِدَةٌ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يَبْنِي مَا يُقْضَى عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ، فَجَعَلَ الْكُلَّ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَقَدْ تَمَكَّنَ فِيهَا النُّقْصَانُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُجْبَرْ ذَلِكَ بِالسَّجْدَتَيْنِ فَوَجَبَ جَبْرُهُ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ فِي الْأَفْعَالِ، أَمَّا هُوَ مُقْتَدٍ فِي التَّحْرِيمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ غَيْرِهِ؟ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ.
وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِسَهْوِهِ وَلِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ إذًا سَهْوَانِ فِي صَلَاتَيْنِ حُكْمًا، فَلَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا.
وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ لِلسَّهْوِ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السُّجُودِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ، أَوْ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السُّجُودِ أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ أَفْعَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ السَّجْدَةِ الْأُولَى إذَا أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّهْوُ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَحِينَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ مَا يَرْتَفِعُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَدْ أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَانْجَبَرَ النَّقْصُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ شَيْئًا، ثُمَّ لَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ حَيْثُ يَسْجُدُ السَّجْدَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَتَحْرِيمَتُهُ نَاقِصَةٌ نُقْصَانًا لَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِسَجْدَتَيْنِ، وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ الْجَابِرِ فَيَأْتِي بِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ السَّهْوُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ السُّجُودِ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِسَبَبِ سَهْوِ الْإِمَامِ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَحِينَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ كَانَ النَّقْصُ انْجَبَرَ بِالسَّجْدَتَيْنِ، وَلَا يُعْقَلُ وُجُودُ الْجَابِرِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَهَذَا لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا تَوَضَّأَ وَسَجَدَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ وَلَا يَمْنَعُ بِنَاءَ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَعْضِ؛ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بِنَاءَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَيُقَدِّمَ الْخَلِيفَةَ لِيَسْجُدَ كَمَا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُكْنٌ أَوْ التَّسْلِيمُ، ثُمَّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَسْبُوقَ وَلَا لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، بَلْ يُقَدِّمُ رَجُلًا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ أَوْ تَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَأْتِي بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ السُّجُودِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، فَلَوْ سَلَّمَ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ فَيَتَأَخَّرُ وَيُقِيمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ بِهِمْ.
وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَيَسْجُدُ هُوَ مَعَهُمْ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ خَلِيفَتِهِ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا، وَكَانَ الْكُلُّ مَسْبُوقِينَ، قَامُوا وَقَضَوْا مَا سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ انْعَقَدَتْ لِلْأَدَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ، ثُمَّ إذَا فَرَغُوا لَا يَسْجُدُونَ فِي الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْجُدُونَ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ.
وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ فَسَجَدَهُمَا- يَعُودُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَقْتَدِي وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَ وَرَكَعَ.
(وَالْجُمْلَةُ) فِي الْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَقَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَا قَامَ إلَيْهِ وَقَضَاهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، أَوْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ كَانَ مَا قَامَ إلَيْهِ وَقَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لَمْ يَنْفَرِدْ الْمَسْبُوقُ بِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَهُوَ الْقَعْدَةُ، فَلَمْ يَنْفَرِدْ فَبَقِيَ مُقْتَدِيًا، وَقِرَاءَةُ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ لَا تُعْتَبَرُ قِرَاءَةً مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ قِيَامِهِ، وَقِرَاءَتُهُ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَوُجِدَ بَعْدَ مَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ- جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ انْفَرَدَ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِانْقِضَاءِ أَرْكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فِي أَوَانِهِ فَكَانَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِقْدَارُ ذَلِكَ أَوْ وُجِدَ الْقِيَامُ دُونَ الْقِرَاءَةِ- لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِانْعِدَامِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فِي أَوَانِهِ.
وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ رَكَعَ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ- جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِقِيَامِهِ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ هُوَ فَقَدْ وُجِدَ الْقِيَامُ وَإِنْ قَلَّ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ، وَوُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ- فَتَجُوزُ صَلَاتُهُ.
وَإِنْ كَانَ رَكَعَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ أَنْجَزَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قِيَامٌ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَامُ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.
وَأَمَّا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَاهُ- أَجْزَأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ قِيَامَهُ حَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ انْتِظَارَ سَلَامِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الْقِيَامَ عَنْ السَّلَامِ.
وَلَوْ قَامَ بَعْدَمَا سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَخَرَّ لَهُمَا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ رُفِضَ ذَلِكَ وَيَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِفِعْلٍ كَامِلٍ، وَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلرَّفْضِ، وَيَكُونُ تَرْكُهُ قَبْلَ التَّمَامِ مَنْعًا لَهُ عَنْ الثُّبُوتِ حَقِيقَةً، فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ، فَيَعُودُ وَيُتَابِعُ إمَامَهُ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ وَاجِبَةٌ، وَبَطَلَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَمَضَى عَلَى قَضَائِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ، وَالْبَاقِي عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ السَّهْوِ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْمُتَابَعَةُ فِي الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ، فَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى لَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؟ فَكَذَا الْمَسْبُوقُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قَضَائِهِ اسْتِحْسَانًا.
وَإِنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ لَا يَعُودُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ قَدْ تَمَّ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رُكْنٌ وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِغَيْرِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِانْفِرَادِ وَوُجُوبِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا فَإِنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ- لِمَا مَرَّ- فَيَسْجُدَ مَعَهُ لِلتِّلَاوَةِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَيَقُومَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ قَبْلُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ دُونَ فِعْلِ صَلَاةٍ فَتُرْتَفَضُ الْقَعْدَةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، فَإِذَا ارْتَفَضَتْ فِي حَقِّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَانُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ، وَالِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَمَضَى عَلَيْهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ، وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ انْفَرَدَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ، وَالِانْفِرَادُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ.
(وَجْهُ) نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالْعَوْدِ إلَى التِّلَاوَةِ، وَالْعَوْدُ حَصَلَ بَعْدَمَا تَمَّ انْفِرَادُهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَخَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّلَاةِ لَوْ ارْتَفَضَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُتَابَعَةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُؤْتَمِّ، بِأَنْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ- وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ- بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْقَوْمِ، فَفِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْلَى، وَلِذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِقَوْمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَهَا- ارْتَفَضَ ظُهْرُهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ الرَّفْضُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الِانْفِرَادُ لَمْ يَتِمَّ عَلَى مَا قَرَرْنَا (وَنَظِيرُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مُقِيمٌ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَقَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ حَتَّى تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا- فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَمَضَى عَلَيْهَا وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ.
وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَإِنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ عَادَ إلَى الْمُتَابَعَةِ أَوْ لَمْ يَعُدْ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَعَلَى الْإِمَامِ رُكْنَانِ: السَّجْدَةُ، وَالْقَعْدَةُ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ، وَلَوْ انْتَقَلَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَعَجَزَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَهاَهُنَا أَوْلَى.
(رَجُلٌ) صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَهَذَا لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْ فَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَتَّى تَذَكَّرَ- يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمْ لِمَا مَرَّ.
وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَعُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ أَوْ فِي الْعِشَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُضِيفَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِيَصِيرَا لَهُ نَفْلًا، إذْ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُمَا جَائِزٌ، وَمَا دُونَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَكُونُ صَلَاةً تَامَّةً، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَاَللَّهِ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ لَا يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى بَلْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا، فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ قَصْدِهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فِي الظُّهْرِ بَلْ قَطَعَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ.
وَهِيَ مَسْأَلَةُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ وَالصَّوْمِ الْمَظْنُونِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ هاهنا فِي الْخَامِسَةِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فِي الظُّهْرِ هَلْ تُجْزِئُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ عَنْ السُّنَّةِ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْزِيَانِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ لَيْسَتْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ يُؤَدَّيَانِ نَفْلًا وَقَدْ وُجِدَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَا يُجْزِيَانِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِرَكْعَتَيْنِ بِتَحْرِيمَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمَةِ غَيْرِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ هَيْئَةُ السُّنَّةِ فَلَا تَنُوبُ عَنْهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَرَاجِرِيِّ ثُمَّ إذَا أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّهْوَ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ أَدَّى بَعْدَهَا صَلَاةً أُخْرَى.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا بَنَى النَّفَلَ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ تَمَكَّنَ فِيهَا النَّقْصُ بِالسَّهْوِ فَيُجْبَرُ بِالسَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْبُوقِ.
(ثُمَّ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي الْفَرْضِ أَوْ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي النَّفْلِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي النَّفْلِ لِدُخُولِهِ فِيهِ لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلنَّقْصِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ انْقَطَعَتْ تَحْرِيمَةُ الْفَرْضِ بِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ، فَلَا وَجْهَ إلَى جَبْرِ نُقْصَانِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَانْقِطَاعِ تَحْرِيمَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا، وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ جَائِزٌ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ حَتَّى جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ؟ فَكَذَا بِنَاءُ فِعْلِ نَفْسِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضِهِ يَكُونُ جَائِزًا، وَالْأَصْلُ فِي الْبِنَاءِ هُوَ الْبِنَاءُ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَوْ أَفْسَدَهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَمِنْ هَذَا صَحَّحَ مَشَايِخُ بَلْخٍ اقْتِدَاءَ الْبَالِغِينَ بِالصِّبْيَانِ فِي التَّطَوُّعَاتِ فَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مَضْمُونَةً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ، اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي سِتًّا وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ تُجْعَلَ السَّجْدَتَانِ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ إحْرَامٌ وَاحِدٌ، فَيَنْجَبِرُ بِهِمَا النَّقْصُ الْمُتَمَكَّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَيَّدَ فَسَدَ فَرْضُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَفْسُدُ، وَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ بِلَفْظِ السَّلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الْكَامِلَةَ فِي احْتِمَالِ النَّقْصِ وَمَا دُونِهَا سَوَاءٌ، فَكَانَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَا أَنَّهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ.
(وَلَنَا) مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وُجِدَ فِعْلٌ كَامِلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ انْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْ الْفَرْضِ ضَرُورَةَ حُصُولِهِ فِي النَّفْلِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ فَرْضٍ مِنْ فَرَائِضِهَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالظُّهْرُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا، وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْقَعْدَةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ فَيُحْمَلُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِوَضْعِ رَأْسِهِ بِالسَّجْدَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِ رَأْسِهِ عَنْهَا، حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَتَوَضَّأَ، وَيَعُودَ، وَيَتَشَهَّدَ، وَيُسَلِّمَ، وَيَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِنَفْسِ الْوَضْعِ فَلَا يَعُودُ، ثُمَّ الَّذِي يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْفَرْضِيَّةُ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ، حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُضِيفَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فَتَصِيرَ السِّتُّ لَهُ نَفْلًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِيَّةِ مَتَى بَطَلَتْ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ، وَهَذَا الْخِلَافُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَنَّ مُصَلِّيَ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَبْلَ إتْمَامِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَهْقَهَ- تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تُنْتَقَضُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ نَفْلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَكَذَا تَرْكُ الْقَعْدَةِ فِي كُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ عِنْدَهُ مُفْسِدٌ، وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَهَا شُعَبٌ كَثِيرَةٌ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِ تَفَاصِيلِهَا وَجُمَلِهَا وَمَعَانِي الْفُصُولِ وَعِلَلِهَا حَالَّةً إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ فُرُوعِهَا دَخَلَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْسَامِ، لِمَا أَنَّ لَهَا فُرُوعًا أُخَرَ لَا تُنَاسِبُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ، وَكَرِهْنَا قَطْعَ الْفَرْعِ عَنْ الْأَصْلِ، فَرَأَيْنَا الصَّوَابَ فِي إيرَادِهَا بِفُرُوعِهَا فِي آخِرِ الْفَصْلِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.